لحظات العمر الثمينة- عيشها بامتنان وفرح

المؤلف: خالد الجارالله08.28.2025
لحظات العمر الثمينة- عيشها بامتنان وفرح

كم من فجرٍ سطع علينا دون أن نلقي له بالاً؟ وكم من إشراقةٍ مرت بنا ونحن غافلون عن كنوزها الدفينة؟ إن أسمى اللحظات في رحلة الإنسان ليست تلك الصاخبة البراقة فحسب، بل تلك التي تلامسنا بلطف، في سكونٍ عميق. إنها اللحظات التي تنعم فيها بجسدٍ معافى، لا يعذبه الوجع، وبقلبٍ هانئ، لا تثقله الهموم، وبحريةٍ كاملة، لا تحاصرها القيود. أن تستقبل الصباح وأنت في أتمّ عافية، أن تفتح عينيك فيغمرك النور، أن تتحرك بخفة ورشاقة في أرجاء منزلك، أن تخرج وتعود متى شئت، وأن تقرر مصير خطواتك.. تلك نعمة لا يدرك عظمتها إلا من ذاق مرارة فقدانها. وأن تنام قرير العين، دون خوفٍ يزعزع أمانك، أو تهديدٍ يقض مضجعك، لهو كنز ثمين لا يلتفت إليه الكثيرون. لاشك أن المصائب، والأحزان، والفقد، جزء لا يتجزأ من طبيعة الحياة، لكن الأيام التي تسلم فيها منغصات الدهر ليست مجرد أيام عابرة، بل هي فرص ذهبية يجب أن نحتفي بها ونقدرها حق قدرها. فكل يوم يمر بسلام، دون ألم أو وجع أو قلق أو عجز، هو يومٌ استثنائي، يستحق الحمد والشكر، ويستحق الفرحة والابتهاج، والأهم من ذلك، يستحق أن نعيشه بكل جوارحنا. لكن التحدي الأكبر يتمثل في أن نعي هذه اللحظات الثمينة، وأن ندرك قيمتها ونحن نعيشها، لا بعد فوات الأوان. أن تستمتع بكل رشفة من قهوتك الصباحية، بصوت من تحب، بلحظة هدوء وسكينة، بنسمة عليلة تداعب وجهك، تلك مهارة لا يتقنها سوى القليل. لا تجهد روحك بالتفكير فيما لم يأتِ بعد، ولا ترهق ذهنك في الغد فإنه قد يسرق بهجة اليوم. فالإغراق في التفكير في المستقبل، سواء كان يتعلق بدراسة أو وظيفة أو مشروع حياة، إذا بلغ حداً يطغى على جمال اللحظة الراهنة، فإنه ينتزع منك الحاضر، وقد لا يضمن لك المستقبل الذي تتوق إليه. عِش اللحظة بكل ما فيها من تفاصيل، تغافل عن المتشائمين الذين يبثون سموم إحباطهم في كل كلمة ينطقون بها، وتجنب المثبطين الذين يسلبونك شغفك، ولا تحدثهم عن أحلامك وطموحاتك، ولا تسلمهم مفاتيح قلبك. انظر إلى الغد بعينٍ متفائلة ترى النور في نهاية النفق، لا بعينٍ متشائمة تعدّ العقبات وتضخمها. ففي كل موقف، مهما بدا بسيطاً وعادياً، تكمن فرصة سانحة، فرصة للإبداع والتألق والنجاح. فالقدرات تنمو وتتطور، والأرزاق مقسومة، وما بينهما طريق لا يُعبد إلا بروحٍ واثقة. كل لحظة تعيشها دون ألم أو قيد أو حزن هي بمثابة حياة كاملة، فلا تدعها تمر مرور الكرام، بل استشعرها بكل حواسك، وكأنها اللحظة الأخيرة التي تملكها، لأنها في حقيقة الأمر كذلك.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة